أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (CESE) مؤخرًا إحالة ذاتيًة تشدد على الحاجة الملحة إلى إنشاء بيئة رقمية آمنة وشاملة للأطفال في المملكة.
وجاءت هذه الدعوة وسط تزايد القلق بشأن الاستخدام المفرط للأطفال لوسائل التواصل الاجتماعي، سواء في المغرب أو على الصعيد العالمي.
وأشار المجلس إلى أن المنصات الرقمية، على الرغم من فوائدها العديدة، تشكل مخاطر جدية على الصحة النفسية والجسدية للمستخدمين الصغار.
التقرير، الذي تم اعتماده خلال الجمعية العامة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في 28 مارس، يطرح توصيات تهدف إلى الاستفادة من الجوانب الإيجابية للتكنولوجيا الرقمية مع حماية الأطفال من مخاطرها المحتملة.
وأكد التقرير على أهمية زيادة الوعي، وتطبيق الحماية القانونية، وتعزيز عادات الاستخدام الرقمي المسؤول بين الأطفال.
وأشار المجلس إلى أن التكنولوجيا الرقمية، إذا استُخدمت بشكل مناسب، يمكن أن تسهم بشكل كبير في نمو الأطفال من خلال تعزيز الإبداع والمعرفة والتفاعل الاجتماعي.
وأبرز المجلس، أن منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وواتساب وإنستغرام تربط مليارات المستخدمين حول العالم، منهم حوالي 23 مليون شخص في المغرب يستخدمون هذه المنصات، ما يمثل 66% من السكان، بما في ذلك الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و18 سنة.
وإثر ذلك، حذر التقرير من أن “الاستخدام المفرط وغير المناسب للتكنولوجيا الرقمية يمكن أن يكون له عواقب خطيرة ومؤكدة على الصحة النفسية والجسدية للأطفال”، مستندًا إلى دراسات تُظهر أن الاستخدام غير المنظم لوسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى مشاكل نفسية وسلوكية مثل الإدمان، القلق، الاكتئاب، العزلة، وحتى إيذاء النفس.
كما أشار التقرير إلى مشاكل أخرى مثل اضطرابات النوم، وصعوبة التركيز، وزيادة التعرض للتنمر الإلكتروني والمحتوى الضار.
ورغم التزام المغرب باتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل والإطار القانوني الحالي لحماية الأطفال، أشار التقرير إلى أن الآليات المعتمدة “غير كافية” لمواجهة التحديات التي يفرضها العالم الرقمي.
وأكد أن غياب لوائح قانونية صارمة لاستخدام القاصرين لوسائل التواصل الاجتماعي يترك ثغرات في ضمان الحماية المستدامة للأطفال في الفضاء الرقمي.
وأضاف التقرير أن المبادرات الحالية “مجزأة وتفتقر في كثير من الأحيان إلى نهج استراتيجي موحد”. كما حذر من قلة وعي الآباء بالمخاطر الرقمية وضعف معرفتهم بأدوات الرقابة الأبوية، مما يزيد من تفاقم المشكلة.
وقدم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عدة تدابير لحماية الأطفال في العالم الرقمي، من بينها تحديث القوانين الوطنية لتعريف الجرائم الإلكترونية ومعالجتها بشكل أكثر فعالية. كما دعا إلى توضيح مسؤوليات شركات التكنولوجيا ووضع قواعد واضحة لاستخدام الأطفال لوسائل التواصل الاجتماعي.
واقترح التقرير تحديد حد أدنى للعمر للوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، مع إلزام المنصات برفض تسجيل القاصرين دون موافقة الوالدين.
وتضمن التقرير أيضًا مقترحات لإطلاق بروتوكولات للإبلاغ الفوري عن المحتوى الضار والتعامل معه، مثل التنمر الإلكتروني أو المواد العنيفة، بالإضافة إلى تدريس المهارات الرقمية منذ سن مبكرة، مع التركيز على التفكير النقدي والتحقق من المعلومات.
كما شدد على رفع الوعي بين الآباء ومقدمي الرعاية عبر حملات حول مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي وأهمية أدوات الرقابة الأبوية.
وأشار التقرير إلى إمكانية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتحديد المحتوى غير المناسب بشكل استباقي، وتحليل السلوكيات الخطرة، وتخصيص أدوات الرقابة الأبوية لتحقيق حماية أكثر فعالية.
كما أوصى المجلس بإعداد تقرير موضوعي سنوي حول حماية الأطفال في الفضاء الرقمي وتقديمه إلى البرلمان لضمان المساءلة والتقدم.
واختتم التقرير بالتأكيد على أهمية الجهود التعاونية بين جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك السلطات وشركات التكنولوجيا، وأولياء الأمور، والمجتمع المدني، لضمان سلامة الأطفال في العالم الرقمي.